التشيّع والاستشراق.. عرض نقدي مقارن لدراسات المستشرقين عن العقيده الشيعيه وأئمتها

صدر كتاب التشيع والاستشراق لمؤلفه الدكتور عبد الجبار ناجي عن المركز الاكاديمي للابحاث في العراق.

من هم الشيعه؟ سؤال يطرح من قبل الكثيرين وظلّ الشيعه مثل قارّة منسيه او بقعه مظلمه من التاريخ الاسلامي ووصفوا على أنّهم روافض او وثنيين يعبدون الحجر او انّهم اقلّيه مشبوهه او فرقة ضاله او فئة منشّقه فاصبحت عاملا مؤثراً في تفكك المجتمع المسلم بكونهم مسلمين غير أصليين او مجرّد متمردين على النسخه الرسميه للاسلام ,زنادقه ,باطنيين,تأويليين,بل هم هراطقه ليسوا أقل من اليهود والنصارى في الخطاب البيوريتاني السلفي ,ومشكوك بنقائهم العرقي العربي في الخطاب العلماني البعثي في العراق.

هؤلاء المتأوله في لبنان ,والبحارنه في البحرين ,والشروكيه في العراق ,والكفره في السعوديه ,ليسوا طابور خامس لايران ,وحصان طرواده بين ظهراني شعوب المنطقه في المقابل هناك تصوّر غربي نمطي عنهم:تشيّع مصحوب بتطرّف سياسي (صور الرهائن الامريكان في سفارتهم بطهران) او تديّن مشبّع بللاعقلانيه (صور اللطم والتطبير)بعد عام 2003 وحدوث تغيّر مشروط بأراده خارجيه في العراق فنشأت مخاوف من الهلال الشيعي واسطورته التي كانت ذريعه لطرد المطالب الاقليات الشيعيه في المنطقه بدعوى كونهم استمرار لتحكم ايراني بها.

وبرغم هذه المخاوف فان نهضة شيعيه طفت على السطح لترسم خارطه جديده للمنطقه العربيه’ وذلك بوصول الشيعه للحكم في العراق باعتبارهم الاكثريه الديمقراطيه وفرض الاصلاحات السياسيه في التجمعات الشيعيه الاخرى في الخليج’ الامر الذي سيعمل على تغيير لهوية المنطقه على المدى القريب ولن يحدث هذا من دون معرضه ومقاومه وهوما جعل الصراع الطائفي السمه الظاهره لهوية الشرق الاوسط الجديد ويعيد التصدّع الثقافي داخل الاسلام تعريف ميزان القوى في الشرق الاوسط .

وسواء قرأنا الشيعه كمذهب عاطفي فيه قدر من التركيز على الماساة التاريخيه التي تغذي العود الشيعي في الحاضر برحقيها الابدي,او نظرنا لللشيعه كمذهب ثوري افرز رؤيه مميزه لنهاية التاريخ وخلاص البشريه من الظلم .فقد مر التشّع بمرحله تحول من كونهم الفئه التي تعاني الاضطهاد وتطالب بحقوقها المشروعه في الحريه (كما في البحرين والسعوديه) الى تجربة حكم قلقه كمافي (العراق) او الى مشارك فعلي في الحكم(كما في لبنان واذربيجان) او الى دين و دوله الرسميين كما في(ايران).

وبعد هذه المقدمه نأتي الى سيره مؤلف الكتاب الاستاذ الدكتور عبد الجبار ناجي الياسري الذي هو من ابناء مدينة البصره حصل على شهادة الماجستير من جامعة بغداد سنة 1964 بأشراف الدكتور صالح احمد العلي وحصل على الدكتوراه من جامعة لندن سنة 1970 بأشراف المستشرق برنارد لويس . من مؤلفاته(تطور الاستشراق في دراسة التراث العربي)(اسهامات مؤرّخي البصره في الكتابه التاريخيه) (بغداد في مؤلفات الرحاله الاجانب)ومن ترجماته(علي ومعاويه دراسه في الروايه التاريخيه المبكره للمستشرق بيترسن)(دراسة الاداره المدنيه في العصر العباسي للمستشرقه كلاوسنر)(اسهام الجغرافيين المسلمين في علم الجغرافيه للمستشرق بار تولد)يعتبر هذا الكتاب محاولة جادّه في دراسة التشّيع وابعاده المختلفه ,وفي ردم الفجوه وفق منهجٍ علمي منضبط ,سعى الى استيعاب المنجز الاستشراقي على وفق عرض نقدي مقارن لدراسات المستشرقين عن العقيده الشيعيه وائمتها.

فقد اوجز واسهب الكاتب مواضيع الكتاب في تسعة فصول’ ضم الفصل الاول منه مبحثين احدهما بعنوان: الاستشراق فجاء به تعريف الاستشراق ومن هو المستشرق’ اما المبحث الثاني فقد جاء به شرحا لعلاقة الاستشراق بالتبشير المسيحي.

والفصل الثاني تضمن: الاهداف المرجوه من دراسة الاستشراق والتشيع.

والفصل الثالث جاء فيه :شرحا لمحاور الاستشراق والتشيّع واهمها محور الاستشراق والرسول اول ائمة اهل البيت.

الفصل الرابع بعنوان: محور اهتمامات المستشرقين بموضوع العقيده الشيعيه.

الفصل الخامس هو: في دراسات المستشرقين حول عقيدة المهدي

الفصل السادس فهو: في الدراسات الامريكيه الجماعيهthe collected studies والدراسات الاسلاميه في امريكا بشان عقيدة المهدي.

الفصل السابع:شرح اسهام المستشرقين الاسرائيليين حول عقيدة المهدي .وجدير بالذكر وحسب معلوماتي ولاول مره في تاريخ الاستشراق الشيعي يطرح موضوع المستشرقون الاسرائيلون وفي الحقيقه للمستشرقون الاسرائيليون دور مهم في الدراسات الشيعيه وتعتبر من اهم المراكز الشيعيه البحثيه عالمياً حيث يشهد لهم انتاجهم المعرفي الهائل.

والجدير بالذكر ان هناك مستشرقاً اسرائيلياً مهماً هو البروفيسور ايتان كوهلبرغ(E.kolberg) الحائز على عدّة جوائز عالميه وذلك لتميُّز اسهاماته في التاريخ الاسلامي بصوره عامه وتاريخ التشيع الامامي الاثني عشري بصوره خاصه مثل جائزة emet وجائزة روتشيلد Rothschidعام 2008’ ووصف بانه من الباحثين الموثوقين في موضوع التشيع’ وهو يشغل مرتبة استاذ في اللغه والادب في الجامعه العبريه ,كذلك فانه عمل عضواً في مجلة اورشيليم (القدس) للدراسات العربيه والاسلاميه ويعد احد المستشرقين البارعين في مجال التشيع في اسرائيل والعالم ,واعتمد عليه الباحثون المسلمون والغربيون على حدٍ سواء امثال الشيخ رسول جعفريان في كتابه :(التشيّع في ايران)ولعله من الصحيح القول ان كوهلبرغ قد خصص جلّ اهتمامه وبحوثه عن التشيع الاثني عشري سواء كان هذا الاسهام على شكل بحوث في المجالات العالميه ام بصيغة مقالات في دائرة المعارف الاسلاميه امثال بحوثه عن الامام السجاد والامام الباقر وترجم الامام زين العابدين الى اللغه الانكليزيه بهذه الصيغة ornament of worshippersوكتب مقالة (الوصي) في دائرة المعارف الاسلاميه طبعة لايدن في هولنده وقف فيها على عقيدة الاماميه في الوصي ومهمته في دعم الشريعه التي وضعها ادم والرسل من بعده.

وكذلك من اهم بحوث كوهلبرغ كتابه عن مكتبة ابن طاووس حيث يعد الفريد في طرحه وحجمه ’ترجم الكتاب الى الفارسيه وطبع من قبل مكتبة السيد المرعشي النجفي في مدينة قم.

الفصل الثامن فهو: في تناول المستشرقين ائمة اهل البيت في دراساتهم وبحوثهم.

الفصل التاسع: ففي الغلو والغلاة في دراسات المستشرقين.

وهذه الدراسه المستفيضه جائت في 478صفحه من كتاب التشيّع والاستشراق وقد سلطت الضوء على نقاط ومسائل مهمه نوجزها فيما يلي:

1-ان اهتمامات ومساهمات المستشرقين هو في الحقيقه نوعا من حب الاستطلاع العلمي والفضول المعرفي لدراسة الاسلام الشيعي’ وكذلك يشكل انعكاسا مهما لتطور مناهج البحث العلمي في اوربا ليس في موضوع التشيع والحركات الشيعيه في التاريخ فحسب بل في تدوين التاريخ بشكل عام..وهذا مانجده في مدرسة الاستشراق الدنماركي والايطالي .فالاستشراق الدنماركي ركّز في دراساته على مسأله تاريخيه حصلت بعد وفاة الرسول محمد ومايعرف بالفتنه الكبرى والثوره على الخليفه الراشدي الثالث ومقتله حسب راي بعض الباحثين.

ولما كانت هذه المرحله مهمة لما لها من علاقه بوحدة الاسلام والمجتمع الاسلامي فانها وفرت للباحثين عامة والمستشرقين خاصةجذب للبحث عن الاسباب التي ادّت الى ذلك الحدث الكبير والى نتائجه البالغه الخطوره.

وبدلا من ان يكون عنوان الموضوع النزاع والتخاصم فيمابين بني اميّه وبني هاشم وهو العنوان الذي قدمه المقريزي صار مركّزاًعلى عنصرين اساسيين الامام علي الخليفه الشرعي الذي سبق وان ابعد عن الخلافه والذي تمّ انتخابه من قبل جموع المدينه في منطقه غدير خم ,وبين معاويه ابن ابي سفيان رمز بني اميّه .والى هذه القاعده استندت وتركزت دراسات مدرسة الاستشراق الدنماركيه والايطاليه بمعنى انها تركزت على عنصر اضحى جلياً في عناوين دراساتهم بتعبير (conflict conflit) النزاع والتخاصم وهذا التوجه في دراسات المستشرقين هو اسلوب منهاجي بحثي استشراقي وهو في الواقع لايعكس دافعا تبشيريا.

ونعتقد ان علينا التواصل مع المستشرقين عن طريق عقد المؤتمرات والندوات المشتركه والعمل على دعوة المستشرقين والباحثين العرب والمسلمين ممن يدعم التفسيرات الاستشراقيه بهدف تنوير العقليه الغربيه والاسلاميه على حدٍ سواء عن صفاء العقيده الشيعيه ونقائها من اي هرطقه او بدعه ,وعن مواقف الائمه من التطورات التاريخيه , وعن عمق الاصول التاريخيه للتشيّع في المجتمع الاسلامي واتخاذ المواقف الصريحه ازاء الغلو والفرق الغاليه والارهاب والقتل المتعمد وهو امر نحتاج اليه في الوقت الحاضر على وجه التحديد بغية تبديد مزاعم البعض بافتراضهم المعادلة الخاطئه وهي ان الاسلام يعادل الارهاب.

http://www.tatoopaper.com/news.php?action=view&id=628

التشيع والاستشراق عرض نقدي مقارن لدراسات المستشرقين عن العقيدة الشيعية

د. نصير الكعبي

ما زال محور الاستشراق مثار جدل وتفاوت حاد بين الباحثين العرب في نمط تلقيهم لاتجاهاته العامة،فهناك تشعب كبير في أنماط التلقي والصور المكونة عن المستشرق وعمله ،قد تتجاوز أحيانا الاهتمام بالموضوعات التي أخضعها الاستشراق للمعالجة والبحث ،ومن دون شك هناك الكثير من الفواعل التي أطرت تلك الأنماط وأخرجتها بصورتها الخاصة ،منها ذاتية متعلقة بالتركيبة المعرفية والثقافية لصاحب الرؤية ،ومديات انفتاحه على المناهج العصرية في القراءة والسبر والكشف عن المسكوت عنه لمطاوي النصوص،ويدخل هنا عنصر إجادة اللغات الأجنبية وإتقانها بوصفه مقدمة ضرورية وعنصرا رئيساً من عناصر التعاطي مع هكذا موضوعات ،إذ لا يستقيم العمل ويأخذ جديته من دونها . أو فواعل خارجية متأثرة بالمحيط السياسي والديني العام وموقفه من الغرب والاستعمار والذاكرة التاريخية والحروب الصليبية وهي مواقف كانت جزءا من ردود الفعل لواقع يعيش نكبات وانغلاق سياسي مزمن، وعلى وجه العموم أخذت تلك القراءات محورين رئيسين تمركزت عليها مختلف التفصيلات للمنجز الاستشراقي:

محور متوجس ومشكك في كل المجال الإستشراقي، إذ يجد أنه أحد الأساليب الاستعمارية المتجددة في الهيمنة والاستيلاء، وضع هذا الصنف قبلية ثابته لمجمل قراءاته، صاغ على وفقها كل التفاصيل الفرعية، وقد مثل هذا النوع مجموعة من الباحثين والدارسين ذو مرجعية سلفية أصولية، تلقى معظمهم تعليمه داخلياً على وفق المناهج التقليدية، فيما اختلفت وجهة نظر المحور الثاني الذي انفتح على جهود المستشرقين وتعاطى معها بإيجابية، وعدّها مرحلة ضرورية ضمن مراحل تطور الدراسات الشرقية، لما تحويه من جدية منهجية عالية في التركيب والتفكيك والتحليل، وركز هذا النوع على تقصي البعد المعرفي والفكري الذي احتوته تلك الدراسات عبر مواضيع المركزية الأوروبية وقراءة الذات من خلال الآخر وغيرها من الميادين الفكرية، وأكثر ما عبر عن هذا المنحى، باحثون تلقوا تعليمهم في الجامعات الغربية أو من تابع بجدية المناهج والأبحاث الحديثة وتواصل مع ميدان الحداثة وتطوراته،وهذا لا يعني أن هذا الصنف لم يوجه النقد إلى المستشرقين، غير أن نقودهم لم تتسم بالقطيعة الشاملة، كما جرى الحال بالنسبة للفريق الأول.

يبدو أن كتاب (التشيّع والاستشراق .. عرض نقدي مقارن لدراسات المستشرقين عن العقيدة الشيعية وائمتها) للدكتور عبد الجبار ناجي، الصادرعن المركز الاكاديمي للأبحاث -بيروت- العراق، ينتمي في توجهه العام إلى الصنف الثاني، إذ خاض مؤلف الكتاب في ديباجته في تلك التيارات المتقاطعة في قراءة الاستشراق واستقباله عربياً، إذ عرض لبعض تلك النماذج وطريقة استيعابها ورؤيتها المختلفة. فكان لديه وعي وتصنيف لما أنجز من قراءات متنوعة في المرجعية والرؤية.

وفي المقابل تنوعت العوامل التي حركت الاستشراق ودعته إلى التكثيف والتخصص في دراسة التشيع بين عوامل سياسية لمتابعة التحولات العميقة في بنية الشرق السياسية والدينية، وقد تعود جذور هذا الاهتمام إلى مرحلة سابقة للجهود الأكاديمية المنظمة وفق المناهج العصرية، فتشي كتب الرحلات الأوربية في العصر الحديث إلى اهتمام مضاعف في استيعاب أسباب النزاع الصفوي العثماني الذي اكتسب في واحد من أبعاده صفة مذهبية بين التشيع والتسنن، وهي أوقات كانت أوربا تتحين الفرصة للولوج والنفاذ إلى الشرق بشكل قوي. وعوامل علمية بحتة ترتبط في كثير من تفاصيلها بجوانب علمية كانت جزءاً من التراكم المعرفي لدراسة الشرق والإسلام. والذي يلحظ على حركة الاستشراق أنها قد شهدت تغيرات عميقة، فلم تعد الصورة القديمة ذاتها عن شخصية المستشرق وانتمائه العرقي ثابتة كما في السابق لمن يزاول دراسة الشرق وفروعه، فنلحظ أن دراسات مهمة قد أنتجت في هذا الميدان، كان أصحابها ذوي أصول شرقية أو إسلامية كما في نموذج مدرسي طباطبائي من إيران والمقيم في الولايات المتحدة وساجدينا من اندونيسيا وغيرهم من الباحثين المستشرقين وقد يعيد هذا التحول النظر في تعريف المستشرق، لكن الأهم من ذلك في دواعي هذا التحول التي قد يكمن في انتماء هكذا باحثين إلى أصول شرقية وإسلامية مما يعني إطلاعهم الواسع وإجادتهم للغة والمحيط الثقافي والاجتماعي.

وربما يثير عنوان الكتاب (التشيع والاستشراق) أكثر من تساؤل واستفسار، فجرت العادة أن يكون هنالك تقابل موضوعي وجنسي في تركيبة العنوان، فلفظة التشيع تحيل إلى مذهب إسلامي أو إلى حقل من حقول دراسة الأديان والمذاهب وقد تختلف لفظة التشيع عن لفظة (الشيعة) فالأخيرة تحمل معنى الثبات أو الإشارة إلى اسم طائفة أو مذهب بعينه، أما اللفظة الأولى فتمتاز بالحركية وفقاً لاتساع رقعة الجغرافية الدينية وفيها تخصيص عال لبحث الديمغرافية الدينية وتركيزها على دراسة التدين واتساعه أكثر من التركيز على الجوانب التاريخية التقليدية البحتة للمذهب، فمن العادة إن يكون هناك تناظر اصطلاحي، فعلى سبيل المثال الذي يقابل التشيع بوصفه مصطلح ذو دلالة ثابتة في الأذهان، مصطلح التسنن أو التصوف أو السلفية وغيرها من الاصطلاحات المتقابلة المنتمية إلى حقل مشترك، ويبدو إن الحال مشابه لطرف المعادلة الأخرى الخاصة بالاستشراق فمن المتوقع أن يكون له معادل اصطلاحي يوازيه في الدلالة والجنس مثل الاستعراب أو الاستغراب أي: الدراسات التي تخرج من الشرق لاستيعاب الغرب وتناوله بوصفه ميدان للدراسة والتشريح كما فعل الغرب عندما اخضع قرينه الشرق لتلك الدراسات المستفيضة والتي أطلق عليها اسم جامع "الاستشراق" كما يلحظ في عنوان الكتاب أولوية تنظيمية أو تراتبية معطاة للفظة التشيع على الاستشراق، ويبدو أنها لم تكن صدفة أو غير واعية، فجوهر الكتاب قائم على هذه الجدلية المؤثر طرفها الأول بالثاني ــ فالتحدي القائم على مفهوم توينبي ــ للتشيع، كانت تقابله استجابة استشراقية موازية له، وهذا قد يفسر كثيراً منحنى التطور الحادث في الدراسات الاستشراقية حول التشيع وأفكاره، فازدياد الاهتمام المتصاعد بدراسة هذا المذهب على مستوى الكم والنوع في وجهة الآخر تعبيراً عن مدى الحيز الذي اخذ يشغله التشيع في مجال الدراسات الإسلامية للباحثين التي هي انعكاس مباشر لبعض التطورات المفصلية التي حدثت في تاريخ هذا المذهب المعاصر كما في التطورات الدينية والسياسية المفصلية في إيران بعد عام 1979م . أو العراق بعد عام 2003م.

والطريق العام الذي يسلكه الكتاب في حركه معالجته للموضوعات المنتخبة للبحث، تكاد تنتقل من العام إلى الخاص، أو من القاعدة إلى الرأس، إذ لم يقتف المنهج الاسترجاعي، ويبدو ان الطبيعة البيبلوغرافية للموضوع قد فرضت هكذا طريقة في المعاينة والفحص، فكانت تناولات الاستشراق في البدء قد اهتمت في عموميات الإسلام أو بالأحرى الإسلام السني وما كتبه عن الفرق الأخرى، وهي صورة قد شابتها الكثير من العمومية المفرطة والمغالطات التاريخية. ثم بدأ بعد ذلك تحول كبير في تلك الدراسات، نتيجة لتخطي مرحلة البدايات، وتكور مادة علمية عن التشيع، سعت الأجيال الاستشراقية إلى تجاوزها وتقديم مادة ورؤية جديدة، فكانت المرحلة اللاحقة معتنية بالاستجماع المصدري واعتماد المصادر الشيعية بوصفها المادة الأولية الأساس لاستيعاب التشيع وتطوراته المتلاحقة في العالم الإسلامي، ثم أعقب هذا مرحلة أكثر عمقاً وعمودية من المراحل المبكرة، اتجهت إلى التعاطي مع موضوعات أكثر تخصصية وتقيداً.

ويكاد الكتاب يغطي في مسحه المصدري لما كتب عن التشيع استشراقياً المدة المحصورة من القرن الثامن عشر الميلادي حتى الوقت الحاضر، إذ لم تركز خطته أو تفاصيله كثيرا على المدارس الاستشراقية منفردة، وإنما نحى باتجاه تقطيع المواضيع الشيعية.

ومن الانفرادات المهمة التي امتاز بها الكتاب تعقبه الواضح لملامح الاستشراق الإسرائيلي ودراسته للتشيع ،وهو استشراق نشأ حديثاً، لكنه قدم العديد من الدراسات الخاصة بالتشيع، وربما يكون العامل المحفز في هذا مرتبط بالتطورات الإيرانية بعد الثورة الإسلامية سنة 1979م. ومع المزايا التي يحملها الكتاب، يبقى الكثير من الموضوعات فيه بحاجة إلى تحليل أعمق ونقداًً أوسع ،ولاسيما المتعلق منها بالرؤية والصورة التي بلورها الاستشراق التقليدي مقارنة بالدراسات الاستشرقية الحديثة،لكن تقييد عنوان الكتاب، بانه عرض نقدي قد يفتح الباب لباحثين آخرين في الخوض في تلك الموضوعات.

Top